كفالة الأيتام ورعايتهم وفضل الأجر بالدنيا والآخرة
همسات إنسانية في رحاب النفحات الرمضانية
الحلقة الثانية
==========
إعداد وتقديم/ صالح علي لجوري
==========
كفالة اليتيم ورعايته وفضل الأجر بالدنيا والآخرة
من أسمى ما اهتم به الإسلام قيام الآباء بتربية الأبناء، لكن ليس كل الأبناء يتسنى لهم من يشرف عليهم ويوجههم، بل إن هناك مشكلة أسرية تطرح نفسها في كل مجتمع، وتطل برأسها في كثير من الأسر، ألا وهي مشكلة الأيتام.
والأيتام جمع يتيم، وهو من فقد والده قبل البلوغ، أخرج أبو داود عن علي ابن ابي طالب -رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا يتُم بعد احتلام » ومثل الأيتام في المعاناة والأسى: الأطفال الذين غاب عنهم آباؤهم غيبة طويلة، أفقدتهم الشعور بعاطفة الأبوة، وتركتهم يجابهون بأنفسهم مصاعب الحياة. أن رعاية اليتيم وإكرامه لاتقتصر على شهر رمضان فقط بل طيلة العام، وبقيه الأعوام التي يحتاج فيها اليتيم إلى الاهتمام والرعاية ،فنحن أمة ذات رسالة، حملنا الإسلام منذ قرون طويلة ، فنمونا به وتشابك تاريخنا وتاريخه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رأى أمراً يقربنا من الله إلا وأمرنا به، وما رأى أمراً يبعدنا عن الله إلا وحذرنا منه، فقد أمرنا -عليه الصلاة والسلام- بوجوب التمسك بالأخلاق الحميدة، والصفات الطيبة، ومعاملة الآخرين معاملة حسنة، ومن الأمور التي حثنا عليها الرسول – صلى الله عليه وسلم – وجوب العناية بالأيتام
وعلى ضرورة الوقوف معهم و مناصرتهم و مدِّ يد العون لهم، ورتب على ذلك أجرًا عظيمًا ، كما نال اليتيم مكانة متميزة في الشريعة الإسلامية حيث اعتنى الإسلام بالأيتام عناية كبيرة ، وفي القرآن الكريم آيات عديدة أنزلها الله تعالى في كتابه الكريم تحث على ذلك، منها قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْر ﴾(البقرة: ٢٢٠). كما جعل الله الإحسان إلى اليتيم سبيلاً للنجاة من عذاب يوم القيامة ﴿فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ *فَكُّ رَقَبَةٍ *أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ *يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ *أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ (البلد:١٥،١١) ، كما ونهى عن قهر اليتيم وإهانته، ﴿فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ﴾ (الضحى :٩) كما وأمر سبحانه وتعالى بالإنفاق على اليتيم، وجعل ذلك من وجوه الإنفاق فقال:﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾(البقرة :٢١٥). واليتم كلمة لها أثر في النفس، فاليتم بؤس وروعة…هو بؤس لأنه يحرم الطفل وهو في مبتكر حياته أكبر القلوب عطفاً عليه، وحنيناً له.. ،وهو رائع لأن الله عز وجل اختاره لخير خلقه، وخاتم رسله..فقد جعل الله اليتم له مهداً، وحين كان أترابه يلوذون بآباء لهم، ويمرحون بين أيديهم كان -عليه الصلاة والسلام- يقلب وجهه، لم يقل قط يا أبي، لأنه لم يكن له وقتئذ أب يدعوه، فقد توفى أبوه وهو ما زال جنيناً في بطن أمه ، وتوفيت أمه وهو فتىي صغير ، وتوفى جده وهو في الثامنة من عمره، وكفله عمه أبو طالب، وما زال- صلى الله عليه وسلم – ينشأ ويترعرع حتى إذا بلغ أشده أوحى الله إليه، وشرفه بحمل خاتم الرسالات، هذه الرسالة التي أخرجت البشرية من الظلمات إلى النور، فصلوات الله وسلامه عليه.
لقد اهتم ديننا الإسلامي الحنيف باليتيم اهتماماً كبيراً، وأجزل الثواب العظيم لمن يتولى كفالة الأيتام، ويحسن معاملتهم، وتربيتهم، فنحن أمة ذات رسالة، حملنا الإسلام منذ قرون طويلة، وطبقنا أحكامه فانتشر الحب والأمان والتكاتف بين أبناء المجتمع الإسلامي . من أجل ذلك رأينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يملأ وصاياه وأحاديثه بوجوب احترام حق اليتيم في العطف والحياة… يقف- صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه ويشير بأصبعيه السبابة والوسطى ثم يقول : « أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرَّج بينهما »، أي أن كافل اليتيم لا يفصل مكانه في الجنة عن مكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلا مثل ما يفصل بين الأصبعين من مسافة.( سنأتي على تخريج الحديث الشريف : بالفقرات اللاحقة ). وفي ذلك تكريم لكافل اليتيم لا يساويه تكريم ، كما ويقول : - عليه الصلاة والسلام- « من عال ثلاثة من الأيتام كان كمن قام ليله، وصام نهاره، وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله، وكنت أنا وهو في الجنة أخوين كما أن هاتين أختان ، وألصق أصبعيه السبابة والوسطى » قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- : « أعينوا الضعيف والمظلوم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وارحموا الأرملة واليتيم »
عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن هذا المال خضرة حلوة ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه اليتيم والمسكين وابن السبيل » رواه أحمد . تأمل أخي المسلم يوم يرى أولادنا شيئاً يعجبهم في السوق، فإنهم يطالبوننا بشرائه لهم،سواء أكان ذلك فاكهة أو ملابس …الخ، فمن للأطفال الأيتام ؟! وكذلك في الأعياد والمناسبات نشتري لأبنائنا الملابس وما يدخل السرور والبهجة على قلوبهم، فقل لي بربك يا أخي المسلم من سيشتري لليتيم ملابسه ؟! ، ويكون له صمام أمان ضد الحرمان ،
نحن نشكو من شدة الغلاء وارتفاع الأسعار مع أن لكل منا دخلاً يعيش من ورائه فكيف بمن لا معيل لهم، ولا دخل لديهم ؟! ،ومن العجب أن الأمة التي هذا رسولها، والتي هذه مكانة اليتيم فيها، هي أفقر بلاد الله في المؤسسات التي ترعى الأيتام. أفهذه هي الأمة التي رسولها محمد –عليه الصلاة و السلام- ؟! أفهذه هي الأمة التي مجَّد رسولها اليتيم ؟! يقول الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم – : « من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم » ويقول أيضاً: « إن أحب البيوت إلى الله بيت فيه يتيم مكرم » . فأين نحن من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إذا لم نكفل الأيتام ؟! وإلى من ندع ذلك الطفل الذي فقد أباه أو أمه أو والديه كليهما ؟! خاصة في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها بلادنا .فالإحسان إلى اليتيم خُلق إسلامي رفيع حثنا الإسلام عليه وندبنا إليه , بل وجعله من أفضل الأعمال وأزكاها وفي هذا الشهر الكريم خاصة حري بالمسلم أن يقبل على الأعمال الفاضلة , قال الله تعالى : ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (البقرة:١٧٧).
ولقد جاء الإسلام واليتيم ليس له حظ في الحياة بالجاهلية فأمر بإكرامه، ولقد أكد القرآن الكريم على حقيقة الإحسان إلى اليتيم , وعدم الاعتداء على ماله , قال تعالى : ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾( سورة الأنعام :١٥٣،١٥٢) .
وقال تعالى : ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾( الإسراء :٣٤).
وجعل الإسلام من السبع الموبقات التي توبق صاحبها وتدخله نار جهنم ( أكل مال اليتيم ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاللهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ » أخرجه البخاري (٢٧٦٦/٤/١٢). ومسلم ( ٧/١٧٧) (١٧٥/١/٦٤).
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ﴾ و﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾قَالَ اجْتَنَبَ النَّاسُ مَالَ الْيَتِيمِ وَطَعَامَهُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّه ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾إِلَى قَوْلِهِ (لأَعْنَتَكُمْ ). أخرجه أحمد (١/٣٢٥) (٣٠٠٢). و(أبوداود ٢٨٧١).
قال الشاعر :
لا تنتهب مال اليتامى ظالما * * * ودع الربا فكلاهما فسقان.
وحذر القرآن من إهانة اليتيم وأذاه بأي نوع من الاهانة والأذى , قال سبحانه:﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ [١٥] وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [١٦] كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ [١٧] وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [١٨] وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا [١٩] وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [٢٠] كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا [٢١] وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [٢٢] وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [٢٣]﴾سورة الفجر .
وقال تعالى : ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾( سورة الضحى:٩) . وقال تعالى :﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ [١] فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ [٢] وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [٣]﴾سورة الماعون .
وأكد القرآن كذلك على أن الله تعالى يحفظ حق اليتيم ويبقى صلاح الوالدين له بعد الممات , قال تعالى : ﴿ وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ﴾(سورة الكهف :٨٢) .
كما أكد على أن إكرام اليتيم سبيل إلى الفوز بالجنة , قال تعالى في وصف المؤمنين المتقين :﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [٨]إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا [٩] إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [١٠]فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [١١]وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا [١٢]مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا [١٣] وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا [١٤] وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا [١٥] قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا [١٦] وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا [١٧] عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا [١٨]وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا [١٩] وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [٢٠] عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا [٢١] إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا [٢٢]﴾ سورة الإنسان .
ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم حق الضعيفين : اليتيم والمرأة من أولى الحقوق بالرعاية والعناية , عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ : حَقَّ الْيَتِيمِ ، وَحَقَّ الْمَرْأَةِ » أخرجه النسائي في "الكبرى " الألباني في " السلسلة الصحيحة (٩١٠٥،١٢،٣).
قال الشاعر :
كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ معجزةً * * * في الجاهلية والتأديب في اليتمِ
ذُكِرتَ بِاليُتمِ في القُرآنِ تَكرِمَةً *** وَقيمَةُ اللُؤلُؤِ المَكنونِ في اليُتُمِ
كما جعل صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم مرافقا ومصاحبا له في الجنة , فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله , صلى الله عليه وسلم: « أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِى الْجَنَّةِ , وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى » , وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلاً. أخرجه اْحمد (٢٣٢٠،٨/٥/٣٣٣) ، (البخاري ٧/٦٨–٥٣٠٤).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ ، أَوْ لِغَيْرِهِ ، أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ، إِذَا اتَّقَى اللهَ. وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى » أخرجه أحمد (٨٨٦٨–٢/٣٧٥). ومسلم (٧٥٧٨).
قال : كعب بن مالك خير بيت فيه يتيم يكرم وشرها البيت الذي فيه يتيم يهان , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: « خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ بِإِصْبَعَيْهُ : أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا ، وَهُوَ يُشِيرُ بِإِصْبُعَيْهِ » . اخرجه "البُخاري" في "الأدب المفرد(١٣٨) ،و"ابن ماجة" (٣٦٧٩). وجعل أيضاً مسح رأس اليتيم عطفا وحنوا عليه سبباً لجلاء ومعالجة قسوة القلب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: « أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم - قَسْوَةَ قَلْبِهِ ، فَقَالَ لَهُ : إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ » . أخرجه أحمد »(٧٥٦٦(٢/٢٦٣)، و الألباني في "السلسلة الصحيحة(٥٣٣/٢).
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلاَّ لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِى الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى » ، أخرجه أحمد (٢٢٥٠٥(٥/٢٥٠).
وكفالة اليتيم من الأدوية التي تعالج أمراض النفس البشرية ، وبها يتضح المجتمع في صورته الأخوية التي ارتضاها له الإسلام.
على أنه لابد أن يتنبه أن كفالة اليتيم ليست في كفالته ماديا فحسب، بل الكفالة تعني القيام بشئون اليتيم من التربية والتعليم والتوجيه والنصح ، والقيام بما يحتاجه من حاجات تتعلق بحياته الشخصية من المأكل والمشرب والملبس والعلاج ونحو هذا.
وتعتبر كفالة اليتيم من أعظم أبواب الخير وقد جاءت آيات القرآن الكريم دالة على بيان فضل رعاية اليتيم وعظم أجر كافله
فقال تعالى
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾البقرة: ٢١٥)،
وقال تعالى:
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾(النساء: ٣٦).
وكفالة اليتيم تكون بضم اليتيم إلى حجر كافله أي ضمه إلى أسرته، فينفق عليه، ويقوم على تربيته، وتأديبه حتى يبلغ؛ لأنه لا يتم بعد الاحتلام والبلوغ، وهذه الكفالة هي أعلى درجات كفالة اليتيم حيث إن الكافل يعامل اليتيم معاملة أولاده في الإنفاق والإحسان والتربية وغير ذلك .
أما الكفالة المالية :
تقدر حسب مستوى المعيشة في بلد اليتيم المكفول بحيث تشمل حاجات اليتيم الأساسية دون الكمالية، فينبغي أن يتوفر لليتيم المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والتعليم بحيث يعيش اليتيم حياة كريمة، ولا يشعر بفرق بينه، وبين أقرانه ممن ليسوا بأيتام .
وليست هناك شروط لهذه الكفالة إلا العدل والإحسان وتجنب ظلم اليتيم
وهذه الكفالة مرتبطة باليتم ، واليتيم هو الذي مات أبوه ولم يبلغ مبلغ الرجال ، فإذا بلغ الصبي الرشد لم يعد يتيما ، إلا إذا كان في عقله سفه أو جنون ؛ فيظل في حكم اليتيم وتستمر كفالته ، والبنت تظل في الكفالة حتى تتزوج
لقوله تعالى
﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُم﴾( (إلى آخر الآية
﴿حَسِيبا﴾(النساء:٦)
أما كفالة اليتيم فغايتها وأمدها إلى أن يستغني اليتيم عن الكفيل
لقوله صلى الله عليه وسلم: « من ضم يتيما بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة » رواه أحمد .
فمن أنفق على يتيم شهرا أو شهرين ثم استغنى اليتيم عن النفقة بالبلوغ أو الغنى أو ما شابه حصل له أجر كفالة اليتيم، وأما إن كان اليتيم ما زال في حاجة إلى نفقة فلا يأخذ الكفيل حينئذ الأجر كاملا لظاهر الحديث السابق، إلا أن تكون النفقة قد قصرت به ولا يجد ما ينفقه على اليتيم، مع حرصه على النفقة فيكتب له الأجر كاملا ـ إن شاء الله تعالى ـ لقوله صلى الله عليه وسلم: « إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى » ( متفق عليه)
وقال تعالى
﴿فا ما اليتيم فلا تقهر ﴾ (الضحى الآية ٩). قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : أي لا تذله وتنهره وتهنه ولكن أحسن إليه وتلطف به ، وكن لليتيم كالأب الرحيم .
قال تعالى﴿ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نار وسيصلون سعيرا ﴾ ( النساء الآية ١٠)، وقال تعالى
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسنًا﴾(البقرة:٨٣).
وقال - تعالى﴿
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾(النساء:٣٦)
وقال – تعالى
﴿قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ (﴾(البقرة:٢١٥).
ولعل ذلك راجع إلى أن اليتيم أكثر حاجة من المسكين، فإن حاجة المسكين قد تكون مؤقتة، والمسكين إن وجد من يواسيه بمال قام هو بأمر نفسه الذي هو أدرى باحتياجاتها من غيره، أما اليتيم فلصغره فإن حاجته إلى من يرعاه دائمة، وهو وإن ملك المال -بميراث أو غيره- لا يستطيع لصغره أن يقوم بأمر نفسه، ويحتاج إلى من يعتني بمصالحه في الصغيرة والكبيرة منها حتى يبلغ أشده ويكتمل رشده، فالمسكين إن فقد من يعطيه من ماله جاع، أما اليتيم فإن فقد من يكفله ضاع، وإن ملك المال وبات وهو شبعان.
فلا غرابة أن تكون حاجة اليتيم إلى من يكفله ويحسن بذلك إليه أشد من حاجة المسكين، لذا جاء الأمر بالإحسان إلى اليتامى قبل الأمر بالإحسان إلى المساكين في آيات القرآن الكريم، والله تعالى أعلم.
ولكفالة اليتيم وإكرامه فوائد كثيرة منها :
١– صحبة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في الجنّة، وكفى بذلك شرفا وفخرا.
٢– كفالة اليتيم صدقة يضاعف لها الأجر إن كانت على الأقرباء (أجر الصّدقة وأجر القرابة).
٣– كفالة اليتيم والإنفاق عليه دليل طبع سليم وفطرة نقيّة.
٤– كفالة اليتيم والمسح على رأسه وتطييب خاطره يرقّق القلب ويزيل عنه القسوة.
٥– كفالة اليتيم تعود على الكافل بالخير العميم في الدّنيا فضلا عن الآخرة.
٦– كفالة اليتيم تساهم في بناء مجتمع سليم خال من الحقد والكراهيّة، وتسوده روح المحبّة والودّ.
٧– في إكرام اليتيم والقيام بأمره إكرام لمن شارك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في صفة اليتم، وفي هذا دليل على محبّته صلّى اللّه عليه وسلّم.
٨– كفالة اليتيم تزكي المال وتطهّره وتجعله نعم الصّاحب للمسلم.
٩– كفالة اليتيم من الأخلاق الحميدة الّتي أقرّها الإسلام وامتدح أهلها (10) كفالة اليتيم دليل على صلاح المرأة إذا مات زوجها فعالت أولادها وخيريّتها في الدّنيا وفوزها بالجنّة ومصاحبة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في الآخرة.
١١– في كفالة اليتيم بركة تحلّ على الكافل وتزيد من رزقه. موسوعة نضرة النعيم (٨/٣٢٥٤).
و في كفالة اليتيم أيها المسلم :
حفظ لذريتك من بعدك وقيام الآخرين بالإحسان إلى ايتامك ،قال تعالى﴿ وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ﴾( النساء الآية: ٩ ).أن الله يخلف على الكافل في الدنيا والآخرة ، وسعة في الرزق . فورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال « ما من يوما إلا ينادي فيه ملكين يقول الأول :اللهم أعطى منفقا خلفا ويقول الأخر :اللهم أعطى ممسكا تلفا » . أو كما
قال صلى الله عليه وسلم .
يقول الشاعر : عبد الرحمن العشماوي :
انظرْ إلى وجه اليتيمِ، ولا تكنْ* * * إلا صديقاً لليتيمِ حميما
وارسمْ حروفَ العطف حَوْل جبينهِ* * * فالعَطْفُ يمكن أنْ يُرى مرسوما
وامسح بكفِّكَ رأسه، سترى على* * * كفَّيكَ زَهْراً بالشَّذَا مَفْغُوما
ولسوف تُبصر في فؤادكَ واحةً* * * للحبِّ، تجعل نَبْضَه تنغيما
ولسوف تبصر ألفَ ألفِ خميلةٍ* * * تُهديك من زَهْر الحياةِ شَميما
ولسوف تُسعدكَ الرياضُ بنشرها * * * وتريكَ وجهاً للحنانِ وسيما
انظرْ إلى وجه اليتيم وهَبْ له* * * عَطْفاً يعيش به الحياةَ كريما
وافتحْ له كَنْزَ الحنانِ، فإنما * * * يرعى الحنانُ، فؤادَه المكلوما
يا كافلَ الأيتامِ، كأسُكَ أصبحتْ* * * مَلأَى، وصار مزاجُها تسنيما
ما اليُتْمُ إلاَّ ساحةٌ مفتوحةٌ * * * منها نجهِّز للحياةِ عظيما
حَسْبُ اليتيم سعادةً أنَّ الذي * * * نشرَ الهُدَى في الناسِ عاشَ يَتيما.
وصلى الله على المبعوث بالهدى ودين الرحمه وآله وصحبه وسلم ، واخردعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مصادر ومراجع :
١-القرآن الكريم .
٢-الصحيحين .٣-الألباني في "السلسلة الصحيحة" .
٤- أ.د حسن عبدالغني أبوغدة أستاذ الفقة والشريعةبجامعةالملك سعود ، فضل رعاية الأيتام. ٥-وسيط الخير منشورات وكتب إلكترونية .
٦-عبدالحميد هميسه: صيدالفوائد،منشورات ،ومقالات.
٧- موسوعة نضرة النعيم .
٨-الشيخ الدكتور يوسف جمعة :مطبوعات منظمة الدعوة الإسلامية.
٩- الأمام أبى حامد محمد بن محمد الغزالى (احياء علوم الدين ) مكتبة الايمان للنشر والتوزيع بالمنصورة – الطبعة الاولى مصر .
١٠-السيد سابق ( فقه السنة ) دار الفتح للإعلام العربى – الطبعة الحادية والعشرون.
١١-التعليق والإضافة والشرح بعناية : للكاتب .
تعليقات
إرسال تعليق