في خلق الصدق
في خلق الصدق
الحلقة الخامسة عشر نفحات من الذكر والبيان في شهر رمضان
==========
إعداد وتقديم / صالح علي لجوري ابو الخطاب
==========
المسلم صادقٌ يحبُّ الصدق ويلتزمة ظاهراً وباطناً في أَقواله وفي أفعاله ، إذا الصدق يهدي إلى البرِّ ، والبرُّ يهدي إلى الجنَّة ، والجنَّةُ أسمى غايات المسلم وأقْصى أمانيه ، والكذب وهو خلاف الصدق وضدُّهُ ، يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ، والنار من شَرَّ مايخافهُ المسلم ويتقيه . والمسلم لايَنْظُرُ إلى الصدق كَخُلُقٍ فاضل يجب التَّخلُّقُ به لا غير ، بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك ، يذهب إلى أن الصدق من مُتَمِّمات إيمانه ، ومكملات إسلامه ، إذْ أمر الله تعالى به وأَثْنَى على المُتَّصِفِين به ،كما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم وحث عليه ودعا إليه قال الله تعالى في الأمر به : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصٌَادِقِين ﴾ (التوبة :١١٩)، وقال تعالى في الثناء على أهله: ﴿ رِجاَلٌ صَدَقُوا مَاعَاهَدُوا الله عَلَيْه ﴾(الأحزاب :٢٣)، وقال تعالى: ﴿ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَات﴾(الأحزاب : ٣٥)، وقال تعالى : ﴿ وَالَّذِى جَاءَ بِالصّـِدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُتَّقَون ﴾(الزمر : ٣٣)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر به : « عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى الْبِرَّ ، وإن الْبِرَّ يهدي إلى. الجنة ومايزال الرجل يَصْدُقُ ، ويتحرى الصدق ، حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً »(١). هذا وإن للصدق ثمرات طيبة يجنيها الصادقون وهذه أنواعها :
١- راحة الضمير ، وطمأنينة النفس ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « الصدق طمأنينةٌ »(٢).
٢-البركة في الكسب ، وزيادة الخير ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « الْبَيِعَانِ بالْخِيَارِ ما لم يتفرقا فإن صدقا وَبَيَّنَا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا مُحِقَتْ بركة بيعهما »(٣).
٣- الفوز بمنزلة الشهداء لقوله صلى الله عليه وسلم : « من سأل الله الشهادة بصدقٍ بَلَّغَهُ الله منازل الشهداء وإن مات على فراشة»(٤).
٤- النجاة من المكروه، فقد حكى أن هارباً لجأَ إلى أحد الصالحين وقال لهُ : أخفني عن طالبي . فقال لهُ : نم هُنا وأَلقَى عليه حِزْمَةً من خُوص ، فلمَّا جاء طالبوه وسألوا عنه قال لهم : ها هو ذا تحت الخوص ، فظنُّوا أَنَّهُ يَسْخَرُ منهم فتركوه ، ونجا ببركة صدق الرجل الصالح .
وللصدق مظاهريتجلى فيها ، منها :
١- في صدق الحديث .. فالمسلم إذا حدَّث لايُحَدَّثُ بغير الحق ، والصدق ، وإذا أَخْبَرَ فلا يُخْبِرُ بغير ماهو الواقع في نفس الأمر ، إذ كذِبُ الحديث من النفاق وآياتهُ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «آية المنافق ثلاثٌ : إذا حدَّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان » (٥).
٢- في صدق المعاملة .. فالمسلم إذا عامل أحداً صَدَقَهُ في معاملته فلا يغُشُّ ولا يخْدَعُ ، ولا يُزَوِّرُ ، ولايغُرِّرُ بحالٍ من الأحوال .
٣- في صدق العزم .. فالمسلم إذا عزم على فعل ما ينبغي فعلهُ لا يتردَّدُ في ذلك بل يمضي في عمله غير ملتفتٍ إلى شىءٍ أو مبالٍ بآخر حتى ينجز عمله .
٤- في صدق الوعد .. فالمسلم إذا وعد أحداً أنجز لهُ ماوعدهُ به ،إِذْ خُلْفُ الوعد من آيات النفاق كما سبق في الحديث الشريف .
٥- في صدق الحال ... فالمسلم لايظْهرُ في غير مظهره، ولا يُظْهرُ خلاف مايبطنهُ ، فلا يلبس ثوب زور ، لايرائي ، ولا يتكلَّف ماليس لهُ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الـمُتَشَبِّعُ بما لم يُعْطَ كلابس ثوبي زورٍ »(٦)، ومعنى هذا أن الـمُتَزَيِّنَ وَالـمُتجمِّل بما لا يملك لِيُرَى أنه غنيٌّ يكون كمن يلبس ثَوْبَيْنِ خَلِقَيْـنِ ليتظاهر بالزُّهد وهو ليس بزاهدٍ ولا متقشفٍ .
ومن أمثلة الصدق الرفيعة مايلي :
١- روى الترمذي عن عبدالله بن الحسماء قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث وبقيت لهُ بقيَّةٌ فوعدتُهُ أن آتيه بها في مكانه فنسيت ثم ذَكَرْتُ بعد ثلاثة أيام ٍ فَجِئْتُ فإذا هُوَ في مكانه فقال : يا فتى لقد شققت علىَّ أنا هاهُنَا منذُ ثلاثٍ أنتظرك . ومثل هذا الذي حصل لنبيِّنا عليه الصلاة والسلام قد حصل لجده الأعلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل -عليهم السلام - حتى أثْنَى الله تعالى عليه في كتابه العزيز بقوله : ﴿ وَاذْكُرْ فيِ الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّـًا﴾(مريم :٥٤).
٢- خطب الحجاج بن يوسف يوماً ، فأطال الخطبة فقال أحدُ الحاضرين : الصَّلاة ! فإنَّ الوقت لا ينتظرك ، والرَّبُّ لا يعذُرُك ، فأمر بحبسه . فأتاهُ قومه وزعموا أن الرجل مجنونٌ .
فقال الحجاج : أن أَقَّرَ بالجنون خلَّصتُهُ من سجنه ، فقال الرجل : لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله التي أنعم بها على وأُثبت لنفسي صفة الجنون التي نَزَّهَنِى الله عنها ، فلمَّا رَأَى الحجاج صدقهُ خَلَّى سبيلهُ .
٣- روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى ، أنه خرج يطلب الحديث من رجلٍ فرآهُ قد هبت فرسه ، وهو يشير إليها بِرِدَاءٍ فيه شعيراً فجاءتهُ فأخذها ، فقال البخاري أكان معك شعيرٌ ؟ فقال الرجل : لا . ولكن أَوْهَمْتُهَا ، فقال البخاري : لا آخُذُ الحديث ممن يكذب على البهائم . فكان هذا من الإمام البخاري مثلاً عالياً في الصدق. وفي هذا الشهر الكريم شهر رمضان الذي أنزل الله تعالى فيه أصدق البيان والبرهان : القرآن الكريم على لسان الصادق الأمين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يصدقوا التوبة إلى الله بتنقيه شوائب النفس وتطهيرها من الذنوب والآثام بصدق العبادات والطاعات وأعمال الخير والصلاح والمعاملة الصادقة مع الله ومع خلقه وتعويد النفس والجوارح وتهذيبها على الصدق فالصدق مع الله هو نجاه للعبد من كل مكروة في الدنيا والاخرة وحمايه له من الوقوع في وحل الذنوب والمعصية وفساد الأخلاق ، التي تؤدي بصاحبها الى الناراعاذنا الله وإياكم منها.
وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتقوى والصدق : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصٌَادِقِين ﴾ (التوبة :١١٩) . فإلانسان يبحث عن الطمأنينة : وهدوء البال في كل مكان بوسائل مختلفة ، فليعلم كل من يبحث عن الطمأنينه في غير مكانها : أن مكان طمأنينة النفس والأمان وراحة الضمير وهدوء البال هو الصدق مع الله والنفس والناس في الدين والحياة والمعاملة لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : « الصدق طمأنينةٌ » .جعلنا الله وإياكم من المتقين الصادقين. وصلى الله على سيدنا محمدوآله وصحبه ومن تبعه باحسانا وسلم تسليماً كثيرا .
مصادر ومراجع :
- منهاج المسلم
طبعة مكتبة العلوم والحكم السعودية،و دار العقيدة القاهرة مصر،للشيخ أبوبكرالجزائري ،
كتاب عقائد وآداب وعبادات ومعاملات.
(١)- رواه مسلم /١٠٥/كتاب البر والصلة .
(٢)رواه الترمذي وصححه /٢٥١٨/.
(٣)-رواه البخاري /٣/من٧٦إلى٨٥/.
(٤)-رواه مسلم كتاب الإمارة .
(٥)- رواه البخاري ومسلم كتاب الإيمان والإمام أحمد.
(٦)- رواه مسلم كتب اللباس/ ١٢٦،١٢٧/.
تعليقات
إرسال تعليق