حُسْنِ الْخُلُقِ


حُسْنِ الْخُلُقِ  

الحلقةالثامنةعشر: نفحات من الذكر والبيان في شهر رمضان 
==========
إعداد وتقديم /صالح علي لجوري 
========== 


الْخُلُقُ هيئةٌ راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال الإراديَّة الاختيارية من حسنة  وسيئة، وجميلة وقبيحة ، وهي قابلةٌ بطبعها  لتأثير التربية الحسنة والسيئة فيها ، فإذا مارُبِّيَتًْ هذه الهيئةُ على إيثار الفضيلة والحقِّ ، وحُبِّ المعروف ، والرَّغبة في الخير ، وَرَوِّضتْ على حب الجميل وكراهية القبيح ، وأصبح ذلك طبعًا لها تصدر عنه الأفعال الجميلة بسهولةٍ ودون تكلُّف ، قيل فيه : خُلُقٌ حسنٌ . وَنُعِتَتْ تلك الأفعال الجميلة الصَّادرةُ عنه بدون تكلف بالأخلاق الحسنة، وذلك كَخُلُقِ الحلم والأَنَاة ، والصبر والتحمُّل ، والكرم والشجاعة ، والعدل والإحسان ، وما إلى ذلك من فضائل الْخُلُقِيَّةِ ، والكمالات النفسية . كما أنها إذا أُهملت فلم تهذَّب التهذيب اللاَّئق بها ، ولم يُعْنَ بتنمية عناصر الخير الكامنة فيها ، أو رُبِّيتْ تربيةً سيِّئةً حتى أصبح القبيح محبوباً لها والجميل مكروهاً عندها ، فصارت الرذائل والنقائص من الأقوال  والأفعال تصدر عنها بدون تكلُّف قيل فيها خُلُقٌ سيِّئٌ ، وسُمِّيت تلك الأقوال والأفعال الذَّميمةُ التي تصدر عنها بالأخلاق السيئة ، وذلك كالخيانة والكذب ، والجزع والطمع ، والجفاء والغلظة والفُحش والبذاء ، وما إليها . ومن هُنا نوَّه الإسلام بالخُلُقِ الحسن ودعا إلى تربيته في المسلمين ، وتنميته في نفوسهم ، واعتبر إيمان العبد بفضائل نفسه ، وإسلامه بحسن خُلُقه ، وأثنى الله تبارك وتعالى على نبيِّه بحُسن خُلُقِهِ فقال:﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾(القلم :٤)،
﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ (فصلت :٣٤)، وجعل الأخلاق الفاضلة سبباً تُنَالُ بها الجنَّةُ العالية فقال :﴿  وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ 
(آل عمران :١٣٤،١٣٣)، 
وبُعث رسوله صلى الله عليه وسلم بإتمامها فقال عليه الصلاة والسلام  « إنما بُعثت لأتمِّمَ مكارم الأخلاق » (١) وَبَيَّـنَ صلى الله عليه وسلم فضل محاسن الأخلاق بقوله : « ما من شئٍ في الميزان أثقل من حُسن الخُلُقِ » (٢)، وقال : « البر حُسْنَ الخلق (٣)، وقال  صلى الله عليه وسلم« أكمل المؤمنين إيماناأحسنهم أخلاقا » (٤)، وقال « أن من أحبكم إليَّ وأقربكم   مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكُم أخلاقًا (٥) وسُئِلَ عن أي الأعمال أفضل ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : « حُسْنُ الخُلُقِ » ، وسُئِلَ عن أكثر ما يدخل الجنة فقال : « تقوى الله وحسن الخلق » (٦)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن العبد لَيَبْلُغُ بحُسن خُلُقة عظيم درجات الأخرة وشرف المنازل وإنهُ لضعيف العبادة » (٧).   

—آرَاءُ السَّلف في بيان حُسن الخُلُقِ :
-قال الحسن : « حسن الخلق بسط الوجه ، وبذل النَّدَى، وكفُّ الأذى»، وقال عبدالله بن المبارك : « حسن الخلق في ثلاث خصال : اجتناب المحارم وطلب الحلال ، والتَّوسعة على العيال »، وقال آخر: « حسن الخلق أن يكون من الناس قريبًا ، وفيما بينهم غريبًا  ، وقال إخر : «حسن الخلق كف الأذى  واحتمال الْـمُؤْمنِ » ، وقال آخر :« حسن الخلق ألا يكون لك هم غير الله تعالى » . وهذا كلُّه تعريف ٌ لحُسن الخلق ببعض جزئياته ، وأما تعريفه باعتبار ذاته وحقيقته ، فهو كما تقدم سابقاً . 
وقالوا في ذي الخلق الحسن : أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى ،كثير الصلاح ، صدوق اللسان، قليل الكلام ، كثير العمل ، قليل الزَّلل، قليل الفضول ، بَرّا وَصُولاً ، وقوراً عجولاً ولاحقودًا، ولا بخيلاً ولاحسوداً ، بشَّاشًا هشَّاشًا ، يحب في الله ويبغض في الله ، ويرضى  في الله ويسخط في الله. ومن محاسن أخلاق المسلم التي يتحلى بها : الصبر ، واحتمال الأذى في ذات الله تعالى .أما الصبر فهو حبس النفس على ماتكره أو احتمال المكروه بنوع من الرضا والتسليم . فالمسلم يحبس نفسه على ماتكرهه من عبادة الله وطاعته ، وَيُلْزِمُهَا بذلك إلزاماً ، ويحبسها دون معاصي الله عَزَّ وجَلَّ فلا يسمح لها باقترابها، ولايأذن لها في فعلها مهما تاقت لذلك بطبعها وهشَّت له ويحبسها على البلاء إذا نزل بها فلا يتركها تجزعُ إذ الْجَزَعُ  -كما قال الحكماء - على الفائت آفَةٌ وعلى المتوقع سخافة والسخط على  الأقدار معاتبةٌ لله الواحد القهار وهو في كل ذلك مُسْتَعِينٌ بذكر وعد الله بالجزاء الحسن على الطاعات وما أَعَدَّ لأهلها من جزيل الأجر وعظيم المثوبات  ، وبذكر وعيده تعالى لأهل بغضته وأصحاب معصيته من أليم  العذاب وشديد العقاب ، ويتذكر الإنسان أن أقدارالله  جارية ، وأن قضاءهُ تعالى عَدْلٌ وأن حُكْمَهُ نافذ ، صبر العبد أم جزع غير أنه مع الصَّبر والأخلاق الحسنة الأجر ، ومع الجزع  والأخلاق السيئة الوِزْرُ . فالمسلم الحق حسن الخُلُق يدفع السيئة بالحسنة ويعفو ويغفر ويصتبر، احتساباً وامتثالاً لله  القائل تعالى  في مُحكم التنزيل ﴿  وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (الشورى :٤٣)، 
وقوله تعالى : ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ (فصلت :٣٤). 
وصلى الله وسلم على النبي محمداً وآله وصحبه أجمعين .

مصادر ومراجع: 
القرآن الكريم .
منهاج المسلم للجزائري  ،عقائدوآداب وأخلاق  وعبادات ومعاملات.
(١)- ذكره البيهقي في السنن الكبرى (١٩٢/١٠)، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٦/١٧١) .
(٢)- رواه الترمذي (٢٠٠٣).
(٣)- رواه مسلم (١٤)كتاب البر والصلة. 
(٤)- رواه ابو داود (٤٦٨٢)،ورواه الإمام أحمد(٢/٥٢٧،٤٧٢،٢٥٠).
(٥)- رواه الترمذي (٢٠١٨). 
(٦)-ذكره الهيثمي في مواردالظمآن (٢٠٠٤،١٩٢٤). 
(٧)- أورده الطبراني في المعجم الكبير (٢٣٣/١)بسند جيد. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المعذرة.. لم أعلم أنهم أصحاب سوابق!!

أسر فقدت عائلها .. وقصف طال المنازل والمدارس والأسواق العامة في يافع

تواصل التحضيرات لتكريم الشاعر القمع في مدينة بني بكر بيافع